فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ألاَ تراهم يقولون: فلان ذكي، فلان حاضر البديهة. أي: يستحضر الأشياء البعيدة وينتفع بها في الوقت الحاضر، وهذا من توفيق الله له، ونتيجة لبصيرته وفراسته، وكانت العرب تضرب المثل في الفراسة والذكاء بإياس بن معاوية حتى قال الشاعر:
إقْدامُ عَمْروٍ في سَمَاحَةِ حَاتِمِ ** في حِلْمِ أَحنَفَ في ذَكَاءِ إيَاسِ

ويُرْوَى أن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور لما أراد أنْ يحج بيت الله في آخر مرة، بلغه أن سفيان الثوري يتناوله ونتقده ويتهمه بالجور، فقال: سوف أحج هذا العم، وأريد أنْ أراه مصلوبًا في مكة، فبلغ الخبر أهل مكة، وكان سفيان الثوري يقيم بها في جماعة من أصحابه من المتصوفة وأهل الإيمان، منهم سفيان بن عيينة والفضيل بن عياض، وكانا يُدلِّلان الثوري ويعتزان به.
وفي يوم كان الثلاثة في المسجد والثوري مُسْتَلْقٍ بين صاحبيه يضع رأسه في حِجْر أحدهما، ورِجلْيهْ في حِجْر الآخر، وقد بلغهم خبر المنصور ومقالته، فتوسل ابنُ عيينة والفضيل للشيخ الثوري: يا سفيان لا تفضحنا واختفِ حتى لا يراك، فلو تمكَّن منك المنصور ونفذ فيك تهديده فسوف يَضعف اعتقاد الناس في المنسوبين إلى الله.
وهنا يقول الثوري: والذي نفسي بيده لن يدخلها، وفعلًا دخل المنصور مكة من ناحية الحجون، فعثرت به الدابة، وهو على مشارف مكة فوقع وأُصيب بكسر فمات لساعته. ودخل المنصور مكة محمولًا وأتَوْا به إلى المسجد الحرام حيث صلى عليه الثوري.
هذا هو الفرقان والنور والبصيرة وفراسة المؤمن الذي يرى بنور الله، ولا يصدر في أمر من أموره إلا على هَدْيه.
ويُروى أن المهدي الخليفة العباسي أيضًا دخل الكعبة، فوجد صبيًا صغيرًا في السادسة عشرة أو السابعة عشرة من عمره يلتف حوله أربعمائة شيخ كبير من أصحاب اللحي والهَيْبة والوقار، والصبي يُلْقِي عليهم درسًا، فتعجب المهدي وقال: أُفٍّ لهذه السعانين- يعني الذقون- أمَا كان فيهم مَنْ يتقدم؟! ثم دنا من الصبي يريد أن يُقرِّعه ويؤنِّبه فقال له: كم سِنّك يا غلام؟ فقال الصبي: سني سِنُّ أسامة بن زيد حينما ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إمارة جيش فيه أبو بكر وفيه عمر. فقال له المهدي- معترفًا بذكائه وأحقيقته لهذا الموقف: بارك الله فيك.
فالفرقان- إذن- لا تُستعمل إلا للأمور الجليلة العظيمة، سواء ما نزل على موسى، أو ما نزل على محمد، إلا أن الفرقان أصضبح عَلَمًا على القرآن، فهناك بين العلم والوصف، فكل ما يُفرِّق بين حَقٍّ وباطل تصفه بأنه فرقانٌ، أمّا إنْ سُمِّي به ينصرف إلى القرآن.
والمتأمل في مادة فَرَق في القرآن يجد أن لها دورًا في قصة موسى عليه السلام، فأول آية من آياته: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر} [البقرة: 50].
والفَرْق أنْ تفصل بين شيء مُتصل مع اختلاف هذا الشيء، وفي علم الحساب يقولون: الخَلْط والمزج، ففَرْق بين أن تفصل بين أشياء مخلوطة مثل برتقال وتفاح وعنب، وبين أنْ تفصلها وهي مزيج من العصير، تداخل حتى صار شيئًا واحدًا.
إذن: ففَرْق البحر لموسى- عليه السلام- ليس فَرْقًا بل فرقانًا، لأن أعظم ألوان الفروق أن تَفرِق السائل إلى فِرْقيْن، كل فِرق كالطود العظيم، ومَنْ يقدر على هذه المسألة إلا الله؟
ثم يقول تعالى: {وَضِيَاءً وَذِكْرًا لَّلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: 48] أي: نورًا يهدي الناس إلى مسالك حياتهم دون عَطَب، وإلاَّ فكيف يسيرون في دروب الحياة؟ فلو سار الإنسان على غير هدى فإمّا أنْ يصطدم بأقوى منه فيتطحم هو، وإمّا أن يصطدم بأضعف منه فيحطمه، فالضياء- إذن- هام وضروري في مسيرة الإنسان، وبه يهتدي لحركة الحياة الآمنة ويسعي على بينة، فلا يَتْعب، ولا يُتعِب الآخرين.
{وَذِكْرًا} [الأنبياء: 48] أي: يذكِّر ويُنبِّه الغافلين، فلو تراكمتْ الغفلات تكوَّنَ الران الذي يحجب الرؤية ويُعمى البصيرة، لذلك لما شبه النبي صلى الله عليه وسلم غفلة الناس قال: «تُعْرَض الفتن على القلوب كالحصير عُودًا عُودًا». وفي رواية «عوذًا عوذًا» أي يستعيذ بالله أن يحدث هذا لمؤمن، فهل رأيتَ صانع الحصير حينما يضمُّ عُودًا إلى عُود حتى يُكوِّن الحصير؟ كذلك تُعرَض علينا الفتن، فإنْ جاء التذكير في البداية أزال ما عندك من الغفلة فلا تتراكم عليك الغفلات.
«فأيُّما قلب أُشْرِبها- يعني قَبلَها- العود تلو العود- نُكتَتْ فيه نكتة سوداء، وأيُّما قلب أنكرها نُكتَتْ فيه نكتة بيضاء، حتى تكون على قلبين- صدق رسول الله- على أبيض مثل الصفا لا تضرُّه فتنة، ما دامت السماوات والأرض. أو على أسود كالكوز مُجَخِّيًا- يعني منكُوسًا- لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا».
قالوا: فذلك هو الرَّانُ الذي يقول الله فيه: {كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] والذكر هو الذي يُجلِّي هذا الران.
{وَذِكْرًا لَّلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: 48] ومن صفاتهم أنهم: {الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب}.
الخشية: الخوف بتعظيم ومهابة، فقد تخاف من شيء وأنت تكرهه أو تحتقره. فالخشية كأنْ تخاف من أبيك أو من أستاذ كأن يراك مُقصِّرًا، وتخجلل منه أنْ يراك على حال تقصير. فمعنى الخوف من الله: أن تخاف أن تكون مُقصِّرًا فيما طُلِب منك، وفيمًا كلَّفك به؛ لأن مقاييسه تعالى عالية، وربما فاتكَ من ذَلك شيء.
وفي موضع آخر يشرح الحق سبحانه هذه المسألة، فيقول: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28] لماذا؟ لأنهم الأعلم بالله وبحكمته في كونه، وكلما تكشَّفَتْ لهم حقائق الكون وأسراره ازدادوا لله خشية، ومنه مهابة وإجلالًا؛ لذلك قال عنهم: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] أي: أعلى منهم وعلى رؤوسهم، لَكِن بِحُبٍّ ومهابة.
ومعنى: {بالغيب} [الأنبياء: 49] أنهم يخافون الله، مع أنهم لا يَروْنه بأعينهم، إنما يَرَوْنَه في آثار صُنْعه، أو بالغيب يعني: الأمور الغيبية التي لا يشاهدونها، لَكِن أخبرهم الله بها فأصبحت بَعْد إخبار الله كأنها مشهدٌ لهم يروْنَها بأعينهم.
أو يكون المعنى: يخشون ربهم في خَلَواتِهم عن الخَلْق، فمهابة الله والأدب معه تلازمهم حتى في خَلْوتهم وانفرادهم، على خلاف مَنْ يُظهِر هذا السلوك أمام الناس رياءً، وهو نمرود في خَلْوته.
وقوله تعالى: {وَهُمْ مِّنَ الساعة مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 49] والإشفاق بمعنى الخوف أيضًا، لَكِنه خَوْفَ يصاحبه الحذر مما تخاف، فالخوف من الله مصحوب بالمهابة، والخوف من الساعة مصحوب بالحذر منها، مخافة أنْ تقوم عليهم قبل أنْ يُعِدوا أنفسهم لها إعدادًا كاملًا يُفرحهم بجزاء الله ساعة يلقوْنَه. {وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ}.
أي: كما جاءت التوراة {ذِكْرًا} [الأنبياء: 48] كذلك القرآن الذي نزل عليك يا محمد ذكر، لَكِنه {ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} [الأنبياء: 50] يقولون: هذا شيء مبارك يعني: فيه البركة، والبركة في الشيء أنْ يعطي من الخير فوق ما يتوقع فيه.
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسقي صحابته من قَعْب واحد من اللبن، ويُطعِم الجيش كله من الطعام اليسير القليل. وتسمعهم يقولون: فلان راتبة ضئيل، ومع ذلك يعيش هو وأولاده في كذا وكذا فنقول: لأن الله تبارك له في هذا القليل.
فمعنى {ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} [الأنبياء: 50] أي: فيه من الخير فوق ما تظنون، فإياك أنْ تقولوا: إنه كتاب أحكام وتكاليف فحسْب، فالقرآن فيه صفة الخلود، وفيه من الأسرار ما لا ينتهي، فبركته تشمل جميع النواحي وجميع المجالات إلى أنْ تقوم الساعة. فمهما رددنا آياته نجدها جميلة مُوحِية مُعبّرة. فكل عصر يأتي بجديد، لا يخلق على كثرة الرد ولا تنقَضي عجائبه فهو مبارك لأن ما فيه من الخير يتجاوز عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وكل العصور والأعمار والقرون فيعطي كل يوم سرًّا جديدًا من أسرار قائله سبحانه.
إذن: فالقرآن {ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} [الأنبياء: 50] لأن ما فيه من وجوه الخير سيتجاوز العصر الذي نزل فيه، ويتجاوز كل الأعمار وكل القرون، فيعطي كل يوم لَوْنًا جديدًا من أسرار قائله والمتكلِّم به؛ لذلك يتعجّب بعدها من إنكار القوم له: {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} [الأنبياء: 50] أَمِثْل هذا الكلام يُنكر؟
وسبق أنْ أوضحنا أقوالهم في القرآن.
منهم مَنْ قال: سحر. ومنهم من قال: شعر. ومنهم من قال كذب وأساطير الأولين، وهذا كله إفلاس في الحُجَّة، وتصيُّد لا معنى له، ودليل على تضارب أفكارهم.
ألم يقولوا هم أنفسهم: {لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] إذن: هم يعرفون صِدْق القرآن ومكانته، وأنه من عند الله، ولا يعترضون عليه في شيء، إنما اعتراضهم على مَنْ جاء بالقرآن، وفي هذا دليل على أنهم ليست عندهم يقظة في تغفيلهم.
وتأمل: {وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} [الأنبياء: 50] ولم يقل: هذا القرآن، كأنه لا يُشار إلا إلى القرآن. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ} يعني: من الملائكة: {إِنّى إله مّن دُونِهِ}، يعني: من دون الله، ولم يقل ذلك غير إبليس عدو الله.
{فَذَلِكَ}، يعني: ذلك القائل: {نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى الظالمين}، أي: الكافرين.
قوله عز وجل: {أَوَ لَمْ يَرَ الذين كَفَرُواْ}، يعني: أولم يخبروا في الكتاب؟ قرأ ابن كثير: {أَلَمْ يَرَوْاْ} بغير واو والباقون {أَوَ لَمْ} بالواو ومعناهما قريب.
{أن السموات والأرض كَانَتَا رَتْقًا ففتقناهما}، يعني: فرقناهما وأبنا بعضها من بعض؛ وقال مجاهد: كانت السماء لا تمطر والأرض لا تنبت، ففتقناهما بالمطر والنبات، وقال القتبي: كانتا منضمتين ففتقناهما، ففتقنا السماء بالمطر، والأرض بالنبات وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كانت السموات واحدة والأرض واحدة، فتفتقت السماء سبعًا، والأرض مثلهن؛ وقال الزجاج: ذكر السموات والأرض ثم قال: {كَانَتَا رَتْقًا} ففتقناهما، لأن السموات يعبر عنها بالسماء بلفظ الواحد، وأن السموات كانت سماء واحدة وكذلك الأرض؛ والمعنى أن السموات كانت واحدة ففتقتها وجعلتها سبعًا، وكذلك الأرض.
وقيل: إنما فتقت السماء بالمطر والأرض بالنبات بدليل قوله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شيء حَىّ}، فقال: رتقًا ولم يقل رتقين، لأن الرتق مصدر، والمعنى كانتا ذواتي رتق، ودلهم بهذا على توحيده حيث قال: {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شيء حَىّ} يعني: جعلنا الماء حياة كل شيء وهو قول مقاتل؛ وقال قتادة: خلق كل شيء حي من الماء؛ وقال أبو العالية رحمه الله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء} يعني: من النطفة.
{أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ}؟ يعني: أفلا يصدقون بتوحيد الله بعد هذه العجائب.
وقوله عز وجل: {وَجَعَلْنَا في الأرض رَوَاسِىَ}، يعني: الجبال الثقال الثوابت.
{أَن تَمِيدَ بِهِمْ}، يعني: كيلا تميل؛ ويقال: كراهية أن تميل بكم.
{وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا}، يعني: في الأرض وفي الجبال أودية.
والفجاج: جمع فج وهو كل شيء مخترق بين جبلين {سُبُلًا} يعني: طرقًا.
{لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}، أي لكي يعرفوا الطرق.
{وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَّحْفُوظًا} من الشياطين ويقال: محفوظًا من السقوط كيلا تسقط عليهم.
{وَهُمْ عَنْ ءاياتها مُعْرِضُونَ} يعني: عن شمسها وقمرها ونجومها وما فيها من الأدلة والعبر معرضون، يعني: لا يتفكرون فيها.
وقرأ بعضهم: {وَهُمْ عَنْ ءاياتها مُعْرِضُونَ} ومعناه إن السماء بنفسها أعظم آية، لأنها متمسكة بقدرته.
ثم قال عز وجل: {وَهُوَ الذي خَلَقَ الليل والنهار}، يعني: الظلمة والضوء.
{والشمس والقمر كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، أي في دوران يجرون.
وقال قتادة: يعني: يجرون في فلك السلام، وقال الكلبي: كل شيء يدور فهو فلك؛ وقال القتبي: الفلك القطب الذي تدور به النجوم، وهو كوكب خفي بقرب الفرقدين وبنات نعش عليه تدور السماء فقد ذكر بلفظ النعل يسبحون، لأنه وصف منهم الفعل كما ذكر من العقلاء.
ثم قال عز وجل: {وما جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ الخلد}، يعني: في الدنيا {وما جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن}؛ وذلك أن أناسًا من الكفار قالوا؛ إن محمدًا يموت، فنزل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً}، يعني: بالغنى والفقر والرخاء والشدة {فِتْنَةً}، يعني: اختبارًا لهم.
{وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} في الآخرة.
قرأ أبو عمرو في إحدى الروايتين {يَرْجِعُونَ} بالياء بلفظ المغايبة، وقرأ الباقون {تُرْجَعُونَ} بالتاء على معنى المخاطبة، وقرأ ابن عامر في إحدى الروايتين {يَرْجِعُونَ} بنصب الياء.
قوله عز وجل: {وَإِذَا رَاكَ الذين كَفَرُواْ}؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأبي سفيان بن حرب، وأبي جهل بن هشام، فقال أبو جهل لأبي سفيان: هذا نبي بني عبد مناف.
يقول ذلك كالمستهزىء، فنزل قوله: {وَإِذَا رَاكَ الذين كَفَرُواْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا}، يعني: ما يقولون لك إلا سخرية.
ثم قال: {أهذا الذي يَذْكُرُ الِهَتَكُمْ} بالسوء؟ ويقال: أهذا الذي يعيب آلهتكم؟ {وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن هُمْ كافرون}، يعني: جاحدون تاركون؛ وهذا كقوله عز وجل {وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشمأزت قُلُوبُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة وَإِذَا ذُكِرَ الذين مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر: 45] قال الكلبي: وذلك حين نزل {إنى أَنَاْ رَبُّكَ فاخلع نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بالواد المقدس طُوًى} [الإسراء: 110] فقال أهل مكة: ما يعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب، فنزل: {وَإِذَا رَآكَ الذين كفروا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن هُمْ كافرون}.
قوله عز وجل: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ}، أي مستعجلًا بالعذاب وهو النضر بن الحارث، وقال القتبي: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} أي خلقت العجلة في الإنسان؛ ويقال: إن آدم عليه السلام استعجل حين خلق، واستعجل كفار قريش نزول العذاب، كما استعجل آدم عليه السلام قال الله تعالى: {عَنْ ءاياتي}؛ قال الكلبي رحمه الله: هو ما أصاب قوم نوح وقوم هود وصالح، وكانت قريش يسافرون في البلدان فيرون آثارهم ومنازلهم، ويقال: يعني: القتل ببدر، ويقال: يعني: يوم القيامة.
{فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} بنزول العذاب.
ثم قال عز وجل: {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد}؟ يعني: البعث {إِن كُنتُمْ صادقين}؟ يعني: إن كنت صادقًا فيما تعدنا أن نبعث؟ فنزل قوله عز وجل: {لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ}، يعني: لا يصرفون ولا يرفعون.
{عَن وُجُوهِهِمُ النار}، لأن أيديهم تكون مغلولة، {وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ} في الآخرة، {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}؛ يعني: لا يمنعون عما نزل بهم من العذاب.
وجوابه مضمر، يعني: لو علموا ذلك الآن لامتنعوا من الكفر والتكذيب.